طاقية الإخفاء.. من عالم الخيال إلى أرض الواقع
القدرة على التخفي كانت دوماً عنصراً أساسياً في كتابات الخيال العلمي إلى أن بينت الأبحاث أخيراً أن جمع ابتكارين في مجال التكنولوجيا النانوية قد يمهد الطريق بالفعل لأول «عباءة تخفٍّ» في العالم، ذلك أنه من خلال ثني الضوء في جميع أطواله الموجية حول كائن بغض النظر عن شكله، يمكن أن توفر مادة «الميتالنس» المكتشفة حديثاً و«مواد الميتا» الاصطناعية، القدرة على «إخفاء» أي كائن.
وكان حلم التخفي من مسلسل «ستار تريك» إلى أفلام «هاري بوتر» وغيرها، يحتل الصدارة على الدوام، لكن تطبيقات مفيدة لمثل تلك التكنولوجيا لم تكن قائمة على نطاق واسع.
ويفيد موقع «بيغ ثينك» أن أقرب ما تم التوصل إليه حتى فترة قريبة، كان تطوير «تقنية التخفي» التي تمنح إخفاء فعالاً فقط في أطوال موجية أطول بكثير مما يمكن للعين البشرية إدراكه.
وفيما التخفي من الرادار، الأشعة الكهرومغناطيسية من موجات الميكروايف إلى الراديو، قد يكون الخطوة الأولى، فقد وسعت التطورات الأخيرة في «مواد الميتا» هذا الأمر إلى أبعد من ذلك، من خلال ثني الضوء حول جسم وجعله غير قابل للكشف حقاً.
حدث هذا التقدم الحاسم الذي يمكن أن يجلب عباءة التخفي إلى أرض الواقع في عام 2018، في مادة جديدة تسمى «ميتالنس»، جعلت لأول مرة كائناً غير قابل للاكتشاف عبر طيف الضوء المرئي بأكمله.
وفي الظروف العادية، عندما يجري قصف أي مادة بضوء من أي طول موجي، فإن السلوك النموذجي هو إما الامتصاص أو الانعكاس. فإذا تم امتصاص الضوء، يتم حجب أي ضوء أو إشارات خلفية ما ينبه إلى وجوده، بمعنى آخر لن يكون الكائن شفافاً. وإذا انعكس الضوء، فإن أي إشارة يجري إرسالها سترتد لتضيء الكائن وتسمح بمشاهدته مباشرة، مرة أخرى لن يكون الكائن شفافاً.
وتبقى الطريقة لتحقيق الشفافية الفعلية هي إذا كان الضوء القادم من خلف الكائن لا يزال بإمكانه الوصول بطريقة ما، بالمسار نفسه، أمام الكائن، كما لو كان الضوء ينتقل مباشرة من خلال الكائن. والطريقة التي يعمل بها «جهاز تخفٍّ حقيقي» لإخفاء مادة، سيكون في تحويل الضوء حول الكائن من جميع الاتجاهات. وبهذه الطريقة، فإن أي مراقب ينظر من أي مكان واتجاه سيرى الإشارات الخلفية كما لو أن الكائن المغطى لم يكن موجوداً على الإطلاق.
وفي خدمة هذا الغرض، كان قد تم على مدى العقدين الماضيين تطوير طلاء خاص متعدد الطبقات لما يعرف بـ«مواد ميتا» تتيح للإشعاع الكهرومغناطيسي لأطوال موجية محددة بالمرور بحرية حول جسم ما. وتوجه بنية «مواد الميتا» الضوء حول الجسم وترسله في نفس الاتجاه الذي جاء منه.
وكان علم البصريات التحويلية بدءاً من عام 2006، قد أتاح رسم خريطة للمجال الكهرومغناطسي على شبكة قابلة للطي، وعندما يتم تشويه الشبكة، يحدث ذلك للحقل. ووفقاً لإعداد صحيح، تبين إمكانية إخفاء كائن داخلي بالكامل. وتبين أنه من خلال ثني الضوء وإلغاء عملية الثني بالمقدار المناسب، يمكن إخفاء أشياء لأطوال موجية معينة من الضوء.
ثم اعتباراً من عام 2016، وسعت عباءة «مواد الميتا» المكونة من 7 طبقات النطاق من الأشعة تحت الحمراء على طول الطريق وصولاً عبر أجزاء الراديو من الطيف: شكلت تلك مجموعة هائلة من تغطية الطول الموجي، لكنها مع ذلك لم تمتد إلى البصري.
وجاءت هنا تقنية النانو ذات الصلة في شكل «الميتالنس». وتشتهر العدسات بكونها شفافة، وأنها تغير الزاوية التي تظهر عندها أشعة الضوء الخلفية. وبالإجمالي، تعتبر العدسات المتقاربة والمتباينة أكثر أشكال العدسات شيوعاً وتستخدم كثيراً في تصحيح النظر. لكن معظم المواد العادية التي يمكن إنشاء عدسة منها لها نفس خاصية التشتت مثل المنشور: عندما يمر الضوء من خلالها يتباطأ الضوء. وتلك تمتلك خاصية مزعجة تتمثل في تباطؤ الضوء ذي الأطوال الموجية المختلفة بكميات مختلفة، وهذا هو سبب الحصول على تأثير «قوس القزح» عندما يمر الضوء عبر وسيط، حيث ينتقل الضوء الأحمر بسرعة مختلفة عن الضوء الأزرق. ويمكن تطبيق طلاء على العدسات المصممة لتقليل تأثير الانحراف، لكن الكاميرات الحديثة للتخلص من هذا الانحراف ثقيلة وضخمة ومكلفة وغير ناجحة 100%.
وهنا من الممكن أن تقدم «ميتالنس» تحسينات كبيرة حتى في أطوال موجات الضوء المرئي. فمن شأنها تشكيل واجهة موجات الضوء الواردة بغض النظر عن الطول الموجي، مما يسمح بتركيز الضوء وصولاً إلى أصغر المقاييس. وتتمتع «ميتالنس» بالعديد من الخصائص: يمكنها أن تكون رفيعة جداً، ويسهل تصنيعها، كما يمكنها تركيز ضوء بمجموعة متنوعة من الأطوال الموجية على نفس النقطة.
وكان الاختراق الحاسم في عام 2018 عبر تطبيق نانوفينات قائمة على التيتانيوم. واستناداً إلى الطول الموجي للضوء الساقط، ستوجه هذه النانوفينات الضوء عبر جزء مختلف من المادة وتسمح له بالانحناء بالكمية المناسبة والضرورية تماماً لجعله يصل حيث هناك حاجة إليه.
ويتيح ذلك على الفور تطوير عدسة أرخص وأخف وزناً وأكثر فاعلية، حيث أوضح أحد معدي الورقة واسمه، وي تينغ تشين، ذلك بالقول: من خلال دمج اثنين من النانوفينات في عنصر واحد يمكننا ضبط سرعة الضوء في المادة ذات البنية النانوية لضمان تركيز جميع الأطوال الموجية في نفس المكان باستخدام ميتالنس واحد. وهذا يقلل بشكل كبير من سمك وتعقيد التصميم مقارنة بالعدسات القياسية.
وفي حين أن التطبيقات الأولى القابلة للتسويق لـميتالنس ستشمل قريباً الكاميرات وأجهزة الواقع الافتراضي والمجاهر وغيرها من التقنيات الطبية والمعززة، فإن الاندماج طويل المدى لمفهوم ميتالنس/ نانوفينات مع مواد الميتا يمكن أن يكون الحل لتركيبات تكنولوجية سوف يتطلبها أي جهاز تخفٍّ.
وحتى الآن، كان التحدي الأكبر الذي يواجه بناء عباءة تخفٍّ واقعية هو دمج مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأطوال الموجية. وعلى الرغم من أن مواد الميتا قد تمكنت من إدارة مجموعة رائعة من التغطية، إلا أنها استبعدت حتى الآن الضوء المرئي، ولكن إضافة طبقة ميتالنس إلى مواد الميتا قد تتغلب على هذه العقبة.
ويبدو هذا التقدم الجيد في الميتالنس يشير إلى أنه إذا كان بالإمكان القيام بذلك بطول موجي ضيق واحد، فإن تطبيق تقنية النانوفينات قادر على توسيع الطول الموجي المغطى بشكل كبير. هذا ويغطي هذا التطبيق الأول للعدسات اللالونية كامل طيف الضوء المرئي تقريباً: من 470 إلى 670 نانو متراً، بينما تمتد الرؤية البشرية من 400 إلى 700 نانو متراً. وهذا يشير إلى أن الدمج الناجح لالميتالنس مع التقدم المتزامن في مواد الميتا من شأنه أن يجعل أجهزة إخفاء الضوء المرئي حقيقة واقعية.
قبل بضع سنوات فقط، كان من غير المتصور إمكانية إخفاء الأجسام الكبيرة. اليوم قد يكون التقدم في الميتالنس من خلال توجيه الضوء بأطوال موجية مختلفة إلى الموقع المناسب للحصول على نتيجة خالية من التشويه التي نرغب فيه مجرد اكتشاف نحتاجه للإيذان بجهاز تخفٍّ ثلاثي الأبعاد حقيقي.
19/01/2023 12:34
19/01/2023 12:32
19/01/2023 12:31
19/01/2023 12:28
19/01/2023 12:27
19/01/2023 12:27
19/01/2023 12:26
19/01/2023 12:25
19/01/2023 12:23
19/01/2023 12:22
19/01/2023 12:21