جلس عليه الصلاة والسلام مع أصحابه في المسجد،

جلس عليه الصلاة والسلام مع أصحابه في المسجد،

الصورة العاشرة ::
جلس عليه الصلاة والسلام مع أصحابه في المسجد، يعلمهم، ويربيهم، ويزكيهم، وانطلق شاب صغير مُلئ حكمة وإيماناً، اسمه عمير بن سعد، ودخل على عمه، وهو شيخ كبير في الستين من عمره، ولكن النفاق في قلبه كالجبال، يصلي مع الناس في المسجد، ويصوم ويعتمر، ولكنه مكذب بالرسالة والرسول.
فقال عمير بن سعد: يا عماه، سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام، يخبرنا عن الساعة حتى كأني أراها رأي العين، فقال الجُلاس بن سويد وهو عمه: يا عمير، والله إن كان محمد صادقاً، فنحن شر من الحمير، فانتقع وجه عمير بن سعد، واهتز جسمه، وانتفض كيانه، وقال: يا عم، والله إنك كنت من أحب الناس إلى قلبي، والله لقد أصبحت الآن أبغضهم إلى قلبي جميعاً.
يا عم، أنا بين اثنتين؛ إما أن أخون الله ورسوله، فلا أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام بما قلت، وإما أن أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام وليكن ما يكون.
ولكن ما معنى كلمة الجُلاس هذه؟ معناها: الكفر بلا إله إلا الله، وعدم تصديق الرسول والاعتراض عليه.
قال الجُلاس بن سويد: أنت طفلٌ غرٌ لا يصدقك الناس، فقل ما شئت، فذهب عمير، وجلس أمام الرسول، عليه الصلاة والسلام، وقال: يا رسول الله، الجُلاس بن سويد، خان الله ورسوله، وهو عمي، وقد تبرأت إلى الله ثم إليك منه. قال الرسول، عليه الصلاة والسلام: وماذا قال؟ قال عمير: قال: لو كان محمد صادقاً، لنحن شر من الحمير!!.
فجمع الرسول عليه الصلاة والسلام الصحابة، واستشارهم في هذا الأمر، فقالوا: يا رسول الله، هذا طفل صغير لا تصدقه، فهو لا يعي ما يقول، والجُلاس بن سويد يصلي معنا، وهو شيخ كبير، وعاقل، فسكت عليه الصلاة والسلام، ولم يصدق هذا الغلام.
وسالت دموع هذا الغلام، وانتفض جسمه، والتفت إلى السماء، حيث القدرة، حيث علم الغيب، توجه إلى الذي يعلم السرّ وأخفى ثم قال: اللهم إن كنت صادقاً فصدقني، وإن كنت – يا رب – كاذباً فكذبني، فوالله ما غادر مجلسه، ولا قام من المسجد، إلا وجبريل ينزل بتصديقه من فوق سبع سماوات، يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهمّوا بما لم ينالوا [التوبة:74].
واستدعى الرسول الجلاس فسأله عن الكلمة، فحلف بالله ما قالها، فقال عليه الصلاة والسلام يقول الله: يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم . أما أنت يا جُلاس، فقد كفرت بالله، فاستأنف توبتك، فإن الله تعالى يقول: فإن يتوبوا يكُ خيراً لهم [التوبة:74]. واستدعى الرسول عليه الصلاة والسلام عمير بن سعد وقال له: ((مرحباً بالذي صدقه ربه من فوق سبع سموات)) ذكره السيوطي في الدر المنثور 3/463 ، 464) ، وعزاه لابن أبي حاتم ، وعبد الرزاق ، وابن المنذر. انظر موسعة خطب المنبر (1/1325) من خطبة للدكتور عائض القرني بعنوان مدرسة الأستهزاء .
وختاماً : فإن ما ذكر ليس إلا فيضاً من غيض وإن المتأمل في هذه النماذج الرائعة يخرج بالانطباع الحقيقي والواقعي لذلك الجيل العظيم الذي كان نتيجة حتمية طبيعية لتربية أشرف الخلق وأخلصهم وأتقاهم، وأطهرهم وأنقاهم ،وأفضلهم وأزكاهم ، وأحكمهم وأرجآهم ، وأكرمهم وأسخاهم ، وأجودهم وأنداهم ، وأصلحهم وأخشاهم ،وأطهرهم وأرضاهم ، وأنصحهم وأوفاهم ، وأرأفهم وأحناهم ، وأعرفهم وأهداهم ، وأحسنهم وأبهاهم ،وأودهم وآخاهم ، وأرفعهم وأعلاهم ، وأنبلهم وأسماهم ، وأعزهم وأسناهم ، وأطيبهم وأحلاهم ، واشفقهم وأصفاهم ،وأنزههم وأحياهم ، وأزهدهم وأغناهم ، وأعزهم وأرقاهم ، وأشجعهم وأقواهم .
ليس هذا فحسب بل هو من كل الناس : أجملهم ، وأبرهم ،وأحبهم ،وأودهم ، وأشهمهم ، وأنصحهم ، وأبصرهم ، وأخوفهم ، وأعبدهم ، وأطوعهم ، وأرهبهم ، وأشكرهم ، وأقنعهم ، وأورعهم ، وآثرهم ،وآمنهم ،وأسترهم ،وأسمحهم ، وألينهم ، وأسلمهم ،وأوقرهم ، وأعفهم ، وأغيرهم ، وأفطنهم ، وأعلمهم ، وأفقههم ، وأقسطهم وأصفحهم ، وأعدلهم ، وأرفقهم ، وأعطفهم ، وأرحمهم صلى الله عليه وسلم
كيف لا وقد قال الله تبارك وتعالى فيه : {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (128) سورة التوبة
وقال تعالى : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (159) سورة آل عمران

آخر مقالات سفراء الشباب