مسائل متعلقة بهذه القاعدة :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله تعالى: اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل ، ولهذا كان عمر بن الخطاب
رضي الله عنه يقول : اللهم أشكو إليك جلد الفاجر ، وعجز الثقة ، فالواجب في كل
ولاية ، الأصلح بحسبها .
فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم
أمانة ، والآخر أعظم قوة ، قدم أنفعهما لتلك الولاية : وأقلهما ضررا فيها ، فيقدم
في إمارة الحرب الرجل القوي الشجاع ، وإن كان فيه فجور فيها ، على الرجل الضعيف
العاجز ، وإن كان أمينا ، كما سئل الإمام أحمد : عن الرجلين يكونان أميرين في
الغزو ، وأحدهما قوي فاجر والآخر صالح ضعيف ، مع أيهما يغزو ؟ فقال : أما الفاجر
القوي ، فقوته للمسلمين ، وفجوره على نفسه ، وأما الصالح الضعيف فصلاحه ، لنفسه ،
وضعفه على المسلمين ، فيغزي مع القوي الفاجر .
وقد قال النبي صلى الله عليه
وسلم:( إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر )
وروي ( بأقوام لا خلاق لهم
). فإذا لم يكن فاجرا ، كان أولى بإمارة الحرب مما هو أصلح منه في الدين ، إذا لم
يسد مسده .
ولهذا ( كان النبي صلى الله
عليه وسلم ، يستعمل خالد بن الوليد على الحرب ، منذ أسلم ، وقال : إن خالدا لسيف
سله الله على المشركين ) مع أنه أحيانا كان قد يعمل ما ينكره النبي صلى الله عليه
وسلم ، حتى إنه - مرة - رفع يديه إلى السماء وقال : ( اللهم إني أبرأ إليك مما فعل
خالد ) .
لما أرسله إلى خزيمة فقتلهم
، وأخذ أموالهم بنوع شبهة ، ولم يكن يجوز ذلك ، وأنكره عليه بعض من معه من الصحابة
، حتى وداهم النبي صلى الله عليه وسلم وضمن أموالهم ، ومع هذا فما زال يقدمه في
إمارة الحرب ; لأنه كان أصلح في هذا الباب من غيره ، وفعل ما فعل بنوع تأويل .
وكان أبو ذر رضي الله عنه ،
أصلح منه في الأمانة والصدق ، ومع هذا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم (يا أبا
ذر إني أراك ضعيفا ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي : لا تأمرن على اثنين ، ولا تولين
مال يتيم ) . رواه مسلم .
نهى أبا ذر عن الإمارة
والولاية ; لأنه رآه ضعيفا .
مع أنه قد روي : ( ما أظلت
الخضراء ولا أقلت الغبراء ، أصدق لهجة من أبي ذر )
( وأمر النبي صلى الله عليه وسلم مرة عمرو بن العاص
في غزوة ذات السلاسل استعطافا لأقاربه الذين بعثه إليهم ، على من هم أفضل منه،
وأمر أسامة بن زيد ، لأجل ثأر أبيه ).
ولذلك كان يستعمل الرجل
لمصلحة ، مع أنه قد كان يكون مع الأمير من هو أفضل منه ، في العلم والإيمان .
وهكذا أبو بكر خليفة رسول
الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنه ما زال يستعمل خالدا في حرب أهل الردة ، وفي
فتوح العراق والشام ، وبدت منه هفوات كان له فيها تأويل ، وقد ذكر له عنه أنه كان
له فيها هوى ، فلم يعزله من أجلها ، بل عتبه عليها لرجحان المصلحة على المفسدة ،
في بقائه ، وأن غيره لم يكن يقوم مقامه ; لأن المتولي الكبير ، إذا كان خلقه يميل
إلى اللين ، فينبغي أن يكون خلق نائبه يميل إلى الشدة ، وإذا كان خلقه يميل إلى
الشدة ، فينبغي أن يكون خلق نائبه يميل إلى اللين ، ليعتدل الأمر
ولهذا كان أبو بكر الصديق
رضي الله عنه ، يؤثر استنابة خالد ، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، يؤثر عزل
خالد ، واستنابة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه ; لأن خالدا كان شديدا ، كعمر
بن الخطاب ، وأبا عبيدة كان لينا كأبي بكر ، وكان الأصلح لكل منهما أن يولي من
ولاه ، ليكون أمره معتدلا ، ويكون بذلك من خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
الذي هو معتدل ، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : { أنا نبي الرحمة أنا نبي
الملحمة } .
19/01/2023 12:34
19/01/2023 12:32
19/01/2023 12:31
19/01/2023 12:28
19/01/2023 12:27
19/01/2023 12:27
19/01/2023 12:26
19/01/2023 12:25
19/01/2023 12:23
19/01/2023 12:22
19/01/2023 12:21